من الذي يحكم حقًا في إسرائيل؟ أربع "شبكات"تعمل غالباً في الخفاء، هي التي تحكم
في ضوء الصراع العلني بين إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك على
رئاسة الحكومة المقبلة، يتمحور النقاش العام حول مسألة من الذي يعتبر من
بين هؤلاء الساسة الثلاثة "الزعيم القوي" الذي يتوق إليه إسرائيليون
كثيرون.
في المقابل تُعزى كل إخفاقات الزعماء الإسرائيليين المتعاقبين، كما عجزهم
عن تنفيذ سياستهم، إلى طائفة من العوامل من بينها انعدام الاستقرار
السياسي، كثرة الأحزاب، والشعبية المتدنية التي تحظى بها المؤسسات
السلطوية كافة.
لكن، وعلى الرغم من ضعف الزعماء والكنيست (البرلمان)، لا تزال هناك سياسة
ترسم وقرارات تتخذ على صعيد الدولة وعلى الصعيد المحلي. وهنا يطرح السؤال:
من الذي يحكم في دولة إسرائيل؟!
إذا ما تفحصنا بانتباه شديد حالة المؤسسة السياسية وبشكل خاص مسألة من
الذي يسيطر ويحكم في إسرائيل قولاً وعملاً، وهو ما لا يتم في فترات
متقاربة، فسوف ترتسم أمامنا صورة مقلقة: هناك أربع "شبكات" غير رسمية،
وغير منتخبة تعمل غالباً في الخفاء، هي التي تحكم في إسرائيل، ويرتبط بها
"زعماء أقوياء" وإلى حد ما يخضعون لسيطرتها أيضاً. العضوية في هذه الشبكات
(المؤسسات) ليست ثابتة كما أن تركيبتها متغيرة. غير أن أعضاء هذه الشبكات
لديهم أجندة مشتركة، وكذلك مصالح وطرق عمل مشتركة، وقدرة على التأثير على
الرأي العام وعلى السياسيين بطبيعة الحال. هذه الشبكات هي:
الشبكة الأمنية- تتألف من كبار الضباط العسكريين الحاليين والسابقين،
ورؤساء الأجهزة (الأمنية) السرية والشرطة ومن أرباب عمل في مجال الأمن.
أعضاء هذه الشبكة هم الذين قرروا ورسموا الخطوات السياسية والعسكرية في
الطريق إلى جميع الحروب وفيما بينها. وهم يمينيون ويساريون (مؤخراً كثر
اليمينيون والمتدينون) شاركوا أيضاً في الخطوات السياسية المهمة وفي
عمليات السلام. إضافة إلى ذلك، فإنهم متدخلون على نطاق واسع في ما يحدث
حتى في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ذات الصلة بالمؤسسة
الأمنية. ليس سراً أن رؤساء الحكومة الإسرائيليين، ليس كافتهم في الحقيقة
ولكن غالبيتهم، كانوا أعضاء في هذه الشبكة. ولم يكن هناك دائماً توافق بين
هؤلاء وبين الذين يخدمون فعلياً في المؤسسة الأمنية، ولكنهم عملوا في
نهاية المطاف بشكل مشترك، والمسألة واضحة فيما يتعلق بالانسحاب من جنوب
لبنان، والانفصال عن غزة وجدار الفصل الأمني وغير ذلك.
شبكة أصحاب رؤوس الأموال- تتكون من اثنتي عشرة أو ثماني عشرة عائلة غنية
في إسرائيل إضافة إلى أصحاب الأعمال الكبرى. ويهتم أعضاء هذه الشبكة
باستمرار عمليات الخصخصة وبنسبة ضريبة منخفضة ومستويات أجور متدنية
وهلمجرا... يرتبط أعضاء الشبكة مع كبار السياسيين الذين يحظون بمساعدتهم
والذين على استعداد للمضي في السياسة الليبرالية الجديدة التي قوضت بدرجة
هائلة دولة الرفاه الإسرائيلية وخلقت هوة سحيقة بين الفئة العشرية العليا
والفئات العشرية الدنيا.
شبكة الحاخامات الحريديم- وهي شبكة صغيرة نسبياً يتقاسم أعضاؤها شؤون
ومصالح مشتركة في كل ما يتعلق بالعلاقات بين الدولة والدين. ويؤثر هؤلاء،
بل ويقررون عملياً في قضايا المكانة والأحوال الشخصية وعدم تجنيد طلاب
المدارس الدينية للجيش وسياسة التهويد والتعاطي مع العمال الأجانب، وحتى،
وبدرجة آخذة في الازدياد، يقررون السياسة المتبعة تجاه المناطق
(الفلسطينية).
شبكة كبار الموظفين- شبكة مهمة جداً يبرز بين أعضائها بشكل خاص كبار موظفي
وزارة المالية و"بنك إسرائيل" ووزارة الدفاع ووزارة التعليم. هؤلاء يحددون
ويصوغون من جهة معظم القرارات المهمة والقوانين التي يتم اعتمادها من قبل
الكنيست، ومن جهة أخرى بمقدورهم إحباط قرارات وقوانين وذلك بصورة أساسية
عن طريق عدم عمل شيء.
جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية وكبار الوزراء في العقود الأخيرة كانوا
مرتبطين أو أعضاء في هذه الشبكات. المتنافسون الثلاثة على رئاسة الحكومة
القادمة مرتبطون بهذه الشبكات: بنيامين نتنياهو مرتبط بشبكة أصحاب رؤوس
الأموال والشبكة الحريدية؛ إيهود أولمرت مرتبط بشبكة أصحاب رؤوس الأموال
وشبكة الحاخامين الحريديم، وإيهود باراك مرتبط بالشبكة الأمنية وشبكة
أصحاب رؤوس الأموال.
وقد حاول الثلاثة وسيحاولون تنمية وتطوير علاقاتهم بشبكة كبار موظفي الدولة.
تلك هي إحدى المعضلات المركزية للديمقراطية الإسرائيلية، وطالما كان ممثلو
السيادة الحقيقية-أي الشعب- مجردين من القوة، فإن الديمقراطية الإسرائيلية
ستعاني من أمراضها وثغراتها، ولن يتمكن حتى القادة المؤهلون، أصحاب
الأيديولوجية الملائمة لمتطلبات الشعب، من أداء عملهم كما ينبغي.
بقلم: ميزو