المناقب /فتيات الصحابة
إن من يتأمل صفحات السنة والسيرة النبوية يرى أنها قد ملئت بنماذج من فضائل ومناقب الفتيات المسلمات، ومن ذلك: 1- تمريض رقية بمنـزلة شهود بدر: لقد أعلى الله منـزلة أهل بدر رضي الله عنهم ورفع درجتهم، فهذا الخليفة عثمان -رضي الله عنه- يقول عن تخلفه في بدر: «وأما قوله إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ماتت وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فقد شهد».
لقد كانت غزوة بدر أول مواجهة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش، وسماها تبارك وتعالى يوم الفرقان، وسارت بفضائلها الركبان، وقال صلى الله عليه وسلم عمن شهدها:«لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم». عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال:«من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها، قال وكذلك من شهد بدراً من الملائكة. فها هي منـزلة بدر وأهلها، فإذا ضرب لمن مرَّض رقية -رضي الله عنها- بسهم من شهد بدراً وبدرٌ بهذه المنـزلة، فهذا شاهد على فضل هذه الصحابية وعلو منـزلتها رضوان الله عليها، كيف لا وهي ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ 2- ذكره صلى الله عليه وسلم لحفصة:- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- يحدث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي- وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً وتوفي بالمدينة- قال عمر: فلقيت عثمان ابن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها. 3- تزويج الله لزينب بنت جحش: عن أنس -رضي الله عنه- قال جاء زيد بن حارثة -رضي الله عنه- يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم :«يقول اتق الله، وأمسك عليك زوجك» قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات، وعن ثابت ((وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ)) (الأحزاب 37) نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة. إنها منـزلة عالية تدركها زينب -رضي الله عنها- تقصر دونها منازل الناس في هذه الدار، فالأمر لم يقف عند مجرد كونها زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا وحده شرف ومنـزلة لا تدانيها منـزلة، بل يأتي هذا التزويج بنص من السماء، ولم يكن هذا الوحي رؤيا منام أو وحياً غير متلو، بل قرآناً يقرؤه المسلمون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قرآناً يتعبدون الله بتلاوته وفيه أن الله زوَّج هذه المرأة الصالحة لنبيه صلى الله عليه وسلم. 4- من بركة النساء: عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له وكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي، قال :«فهل لك في خير من ذلك؟» قالت: وما هو يارسول الله؟ قال:«أقضي كتابتك وأتزوجك» قالت: نعم يا رسول الله، قال:«قد فعلت» قالت :وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. وربما صحت الأجسام بالعلل، وقد يكره المرء أمراً يكون خيراً له، لذا فقد كانت هذه الوقعة من أعظم خير نال هؤلاء، فأي كرم وشرف أسمى من أن يكونوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك الذين سبُوُا فُكَّ أسرُهم وعَتُقوا ببركة هذه المرأة الصالحة، لقد أطلقت سراح مائةٍ من قومها وأعلت شأنهم وذكرهم، ولم يكن هذا بشجاعةٍ أو قوةٍ، بل بفضيلةٍ ربانيةٍ أبقت ذكرهم خالداً إلى قيام الساعة. 5 - من مناقب عائشة: لقد ظفرت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بحب صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم لها، فهنيئاً لها هذه المنـزلة. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أي بنية ألست تحبين ما أحب؟» فقالت: بلى، قال:«فأحبي هذه» قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها: ما نراكِ أغنيتِ عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنـزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذا وقد بلغ من منـزلة عائشة -رضي الله عنها- أن يقرئها جبريل السلام. فعنه وسلم قال لها:«يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام » فقالت: وعليه السلام ورحـمة الله وبركاتـه، ا -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه