هذه من عجائب القصص ... التي نفتقدها في زماننا هذا
نحن الآن في مدينة (بورصة) في عهد السلطان العثماني (بايزيد) ,الملقب بـ (الصاعقة) … الفاتح الكبير … فاتح بلاد
(البلغار) و (البوسنة) و (سلانيك) و (ألبانيا) … السلطان الذي سجل انتصاراً ساحقاً على الجيوش الصليبية ، التي دعا إلى حشدها البابا (بونيغا جيوش الرابع) ، لطرد المسلمين من أوروبا ، والتي اشتركت فيها خمس عشرة دولة أوروبية كانت (انجلترا) و (فرنسا) و (المجر) من بينها ، وذلك في المعركة التاريخية المشهورة ، والدامية … معركة (نيغبولي) سنة 1396م.
هذا السلطان الفاتح اقتضى حضوره للإدلاء بشهادة في أمر من الأمور أمام القاضي والعالم المعروف (شمس الدين فناري).
دخل السلطان المحكمة … ووقف أمام القاضي ، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد اعتيادي.
رفع القاضي بصره إلى السلطان ، وأخذ يتطلع إليه بنظرات محتدة ، قبل أن يقول له : (إن شهادتك لا يمكن قبولها ، ذلك لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة ، والشخص الذي لا يؤدي صلاته جماعة ، دون عذر شرعي يمكن أن يكذب في شهادته).
نزلت كلمات القاضي نزول الصاعقة على رؤوس الحاضرين في المحكمة … كان هذا اتهاماً كبيراً ، بل إهانة كبيرة للسلطان (بايزيد) ، تسمر الحاضرون في أماكنهم ، وقد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أن يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان .. لكن السلطان لم يقل شيئاً ، بل استدار وخرج من المحكمة بكل هدوء.
أصدر السلطان في اليوم نفسه أمراً ببناء جامع ملاصق لقصره ، وعندما تم تشييد الجامع ، بدأ السلطان يؤدي صلواته في جماعة.
هذا ما سجله المؤرخ التركي (عثمان نزار) في كتابه : (حديقة السلاطين) المؤلف قبل مئات السنين.. عندما كان المسلمون يملكون أمثال هؤلاء العلماء ، ملكوا أمثال هؤلاء السلاطين.
روائع من التاريخ العثماني ، لأورخان محمد علي ، ص 25