أقدار القلوب
الشيخ محمد حسين يعقوب
أقدار القلوب.. وقسمتها:
أحبتي في الله.. تأملوا معي هذين الحديثين: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض، والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب". [الترمذي، وصححه الألباني]
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل". [الترمذي، وصححه الألباني]
(فهذا يدل على أن من خُلق من الصفا صُفِّيَ له، ومن خُلق من الكدر كُدِّر عليه، فلم يصلح للقرب والرياضة؛ وإنما يصلح عبدٌ نجيب. خُلق إبليس من ماء غير طاهر؛ فكانت خلعة العبادة عليه عارية، فسَخُن ماء معاملته بإيقاد نار الخوف، فلما أعرض عنه المَوقِد عاد إلى برودة الغفلة. وخلق عمرُ من أصلٍ نقي؛ فكانت أعمال الشرك عليه كالعارية، فلما عجَّت نيران حَمية الجاهلية أثَّرَت في طبعه، إلى أن فَنِيَ مَدَدُ حرها بفناء مدة تقدير إعراضه؛ فعاد سُخُنُه إلى بَردِ العِرفان. يا هذا! لاحت عقبة المعصية لآدم وإبليس، فقال لهما لسان الحال: لابد من سلوكها، فسلكا يتخبطان في ظلامها؛ فأما آدم فانكسر قلبه في طريقه، وبكى لصعوبة مضيقه، فهتف به هاتف اللطف: لا تجزع؛ أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. وأما إبليس فجاء ضاحكاً معجباً بنفسه؛ فثار الكبر من قلبه، فتكاثرت ظلمة طريقه، فلما ارتفعا إلى رأس العقبة: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] فقال إبليس: يا آدم كنا رفيقين في عقبة المعصية، فكيف افترقنا؟، فنادى منادي الأزل: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف