نجح شارون، بعد الحادي عشر من سبتمبر، في شيطنة القضية الفلسطينية وإدراج أبو عمار نفسه ضمن قائمة المطلوبين مثله مثل أسامة بن لادن.
وفي لقاء شارون التاريخي مع بوش أعطى ديك تشيني موافقة ضمنية على قتل عرفات عندما قال لشارون “لوكنت مكانك لخنقته”. لم تكن نقمة شخصية بقدر ما هي إعادة رواية القضية الفلسطينية بلسان صهيوني مبين؛ فهي ليست حرب إسرائيل ضد عصابات تخريبية، وإنما حرب العالم الحديث ضد عصابات إرهابية ظلامية، لا تختلف فيها عصابة فتح بزعامة عرفات عن عصابة حماس بزعامة أحمد ياسين. ولذا كان مقبولا وربما مطلوبا أميركيا تصفيتهما.
تتزاحم تتطورات القضية الفلسطينية بحيث ينسي بعضها بعضا، وعندما تعود لما وثقته الصحف في غضون السنوات الخمس لا الخمسين الماضية تشعر وكأنك تقف على كنز أسرار لا حقائق بديهية متداولة. في ظل الرواية الصهونية المعتمدة تبدو غزة في حرب على العالم، وكأنها هتلر يجتاح أوروبا.
الرواية الحقيقية تقول إن شارون هو من ارتكب مجازر بحق الفلسطينيين، ولم يكن أولها صبرا وشاتيلا ولا آخرها مخيم جنين. هو رأس حربة دولة قامت على التطهير العرقي من نشأتها إلى اليوم. وأبو عمار وأحمد ياسين و.. لم يمارسوا التطهير العرقي ولم يلقوا اليهود في البحر. إلا أن محكمة الرأي العام الأميركي دانتهما وفوضت شارون بإعدامهما.
ومن الأسرار الخطيرة أن أبو عمار لا حماس هو من أوقف عبث “عملية السلام” وقرر التخلص من أجهزة الأمن المكلفة بحماية الإسرائيليين. وحاول أن يعيدها إلى دورها الطبيعي حماية للشعب الفلسطيني ومقاومة للاحتلال. وفي انتفاضة الأقصى ضبط أبو عمار يحاول تهريب سفينة أسلحة عبر البحر. وهذا الدور ايمكن أن يقوم به كل زعيم يسعى إلى تحرير شعبه.
لم تكن حماس تعترف بقيادة أبو عمار، وهي ليست مشروع سلطة بل مشروع مقاومة ينتسب لموروث الحركة الإسلامية من عزالدين القسام إلى مقاتلي الإخوان في 48 إلى 68، وتعتبر أن حركة فتح التي كان جل مؤسسيها من الإخوان عزلت القضية الفلسطينية عن أفقها الإسلامي. خلال عقدين من تأسيسها قتل من قادتها وكوادرها أكثر مما قتل من كوادر وقادة كل فصائل المقاومة مجتمعة، وعندما دخلت السلطة لم تنازعها على الكراسي. فاشتد النكير عليها لأنها لم تشارك في انتخابات السلطة. وبعد رحيل أبو عمار لم تنازع أبو مازن على مقعد الرئاسة.
لا تسعى حماس لإلقاء اليهود في البحر، بل تتبنى نفس ثوابت المنظمة والنظام العربي: الدولة والقدس واللاجئين. والفارق البسيط بينها وبينهم أنها تسمي السلام العادل: “هدنة طويلة”. وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يمكن أن يتحقق بعد كل هذا الصراع الدامي خلال العقود الخالية.
انتخبت أكثرية الشعب الفلسطيني حماس برنامجا وأشخاصا. فأعلن “العالم الحديث” الحرب عليها مباشرة. مع أن قصة الحرب على الإرهاب مبنية على أساس تعميم صندوق الانتخابات في المنطقة. لم تبدأ الحرب على حماس في الأسبوع الماضي. لم يسمح لا إسرائيليا ولا أميركيا ولا عربيا ولا فلسطينيا (السلطة) لحماس بالتقاط الأنفاس. عزلت سياسيا وتعرضت لاستنزاف عسكري. حرب ناعمة تكشفت أسرارها اليوم. الذين اكتشفوا الوحدة الوطنية بعد العدوان عليهم العودة لسجلات الصحف حتى يكتشفوا سرا يقول إن حماس من اليوم الأول احترمت أبو مازن وقبلت بما يعرف في فرنسا بـ”المساكنة” في العلاقة بين الرئاسة منظمة وسلطة ورئاسة الوزراء. وسعت لحكومة وحدة وطنية. في المقابل كانت الأطراف الأخرى تجاهر بالعداء وتعلن رغبتها بإسقاط حكومة حماس، ولنا أن نتذكر ماذا كان موقف رايس من اتفاق مكة.
ليست حربا على حماس لا تتوقف، وإنما حرب على الشعب الفلسطيني، العالم يحارب غزة بمجلس أمنه الذي تحول إلى فرع للخارجية الأميركية وهي بدورها في ملف الصراع العربي الإسرائيلي جزء من لواء جولاني وكأن صواريخ القسام تدك واشنطن. حقا أن مستعمرة سدروت لا تختلف عن البيت الأببض.
في المقابل يشعر كل عربي ومسلم أن البيت الذي يسوَى في الأرض بيته، وكل طفل يقتل طفله. هذه الرواية الحقيقية للصراع، وغيرها أكاذيب ولو رددها كل المسؤولين في “العالم الحديث”.