احلم
---------
فنحن لا نملك إلا الحلم.
احلم، فسلاحنا الوحيد فى هذه الدنيا حلم..
---------
٣٠ ألف عام قبل الميلاد- مكان ما فى غابات أفريقيا..
---------
الولد تتسع خطواته للحاق بأبيه، والليل الأفريقى هبط مبكرا، وتعقّب القرد امتد أكثر من اللازم.
بينه وبين الكهف دغل ينطوى على خطر مميت.
ولا مفر من قضاء الليلة هنا.
هذه ليلته الأولى خارج الكهف.
لابد من مرة أولى دائما.
احتكاك الغصون يفزعه، والوحوش تتقد عيونها كجمرة.
أبوه احتضنه وهمس له:
اغمض عينيك واحلم.
لا تكف عن الحلم.
سيأتى يوم لا نحتاج فيه للمغامرة بحياتنا من أجل الطعام.
سنعود إلى الكهف فنجده مليئا بالطعام، مسكونا بالشمس.
وسنقطع المسافات بنفس السرعة التى يأكل بها أخوك الصغير نصيبه من اللحم.
وإذا سكنتنا الأرواح الشريرة سنبتلع شيئا كالحصاة تشفينا على الفور.
قضى الليل يهمس فى أذن ابنه الذى نام مطمئنا فى أحضانه.
حينما عاد إلى الكهف راح يرسم كالمجنون الحلم الذى زرعه أبوه فوق كل الجدران.
لم يكن يعرف ماذا يرسم بالضبط ولو سألوه ما أجاب.
مات الأب ومات الولد وتعاقبت آلاف الأعوام، صارت الغابة صحراء جرداء.
حينما اكتشفوا كهوف (تسيلى) عند الحدود الليبية الجزائرية أذهلتهم الرسوم.
قالوا إنها شفرة القادمين من السماء، والحقيقة أنها حلم.
مجرد حلم.
---------
عام ١٥١٠- ميلانو
---------
أطوار عجيبة يمر بها ليوناردو دافنشى أعظم فنانى عصر النهضة ولا يفهمها تلاميذه.
رسومات غامضة يخفيها بسرعة.
بعد مئات السنين سيجدون رسوما تفصيلية مذهلة عن الهليكوبتر والدبابة والباراشوت.
الحالمون قالوا إنه تنقل عبر الزمن، وآخرون قالوا إنه عبقرى.
والحقيقة أنه لم يكن يرسم وإنما يحلم.
---------
عام ١٩٤٦- ريف مصر
---------
قالت الجدة - وهى تشير لجهاز مذياع ضخم يساوى ثروة - لحفيدتها الصغيرة واسعة العينين:
تسمعين صوت الشيخ من الصندوق، وغدا ترين الشيخ نفسه داخل الصندوق!!.
الجدة سكتت والبنت راحت تثقب الصندوق بعينيها محاولة أن ترى الشيخ العجيب.
---------
التليفزيون حلم، بدايته فكرة عبقرية (لأينشتاين) الذى تنبه لإمكانية تحول الموجات الكهرومغناطيسية إلى خطوط.
ستسمع أسماء كثيرة فى هذا الصدد (فرانسو فورث) أول من بدأ العمل على بلورة فكرة أينشتاين، (جون بيرد) صاحب البراءة.
الحقيقة أن البشرية كلها اشتركت فى صناعة التليفزيون:
الطفل الحالم فى كهوف (تسيلى)، (دافنشى) الذى لم يكف عن الحلم، الطفلة الصغيرة واسعة العينين.
احلم.
فكل من لا يستطيع الحلم ميت.
احلم، إياك أن تكف عن الحلم.
---------
كتبها د. أيمن الجندى
لجريدة المصرى اليوم
30/10/2009
فى ذكرى أول بث تليفزيونى فى بريطانيا
---------
أقولها لكم مرة أخرى
دائما ً وأبدا ً لا تكفوا عن الحلم
فالحلم هو أنتم
ولا حياة بلا حلم
لا طموح بلا حلم
لا وجود بلا حلم
لا مستقبل بلا حلم
لا حرية بلا حلم
ولا علم بلا حلم
---------
كل التحية لكم