القضية السكانية قضية وطنية ومن الواجب توضيح جوانب الإيجاب والسلب فيها
أدركت الحكومة اليمنية منذ وقت - قد لا يكون متأخراً - خطورة الانفجار السكاني وآثاره وانعكاساته السلبية على التنمية والمجتمع، وأن تفاقم المشاكل السكانية سيكون أكثر وأكثر في حال عدم السيطرة على معدلات النمو والخصوبة المرتفعة في اليمن والتي تعد ولا تزال من أعلى المعدلات في العالم، وأنه لابد من الوقوف أمام القضية السكانية وقفة جادة للتصدي لكافة المشاكل السكانية.
وإزاء ذلك اتخذت الحكومة جملة من التدابير والمعالجات بدءاً بوضع سياسة وطنية للسكان وتأسيس المجلس الوطني للسكان في تحالف كبير هو الأول من نوعه يضم قرابة (15) وزارة وجهة معنية بقضايا السكان وانتهاء بتشكيل لجان تنسيق على مستوى أغلب محافظات الجمهورية.
ورغم ذلك كله لا يزال العمل السكاني يسير ببطئ ولا يلبي الطموح ولأسباب عدة..
إلى أين وصلت سياستنا السكانية؟، وهل حققت أهدافها في إطار التصدي للمشاكل السكانية؟ وما مدى التنسيق بين الجهات الأعضاء في إطار ما يمكن أن يطلق عليه (حلف) المجلس الوطني للسكان في مواجهة المشاكل السكانية؟.. وكيف تنظر هذه الجهات للمشكلة السكانية وأين تضعها في إطار اهتماماتها وأجندة عملها؟ وما هي جوانب الإخفاقات والقصور؟.. ومن يتحمل مسؤوليتها؟ وكيف يمكن أن نصل إلى عمل سكاني مشترك موحد الخطاب يلبي الطموح!!؟.
لمعرفة ذلك وللإجابة عن تلك الأسئلة لابد من الوقوف بمصداقية أمام أدوار الجهات الأعضاء في تكتل المجلس الوطني للسكان كل على حدة فيما يخص القضية السكانية.
باعتبار القضية السكانية قضية وطنية تهم الجميع فإنه من واجبنا إيضاح الصورة وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية في العمل السكاني وسنحاول هنا التطرق لهذا الموضوع من خلال حلقات في هذه الصحيفة نناقش فيها دور كل جهة على حدة وهدفنا في الأول والأخير هو خدمة العمل السكاني.
المشكلة السكانية وتحدياتها
لا تزال نسبة النمو السكاني العالية ونسبة الخصوبة المرتفعة في اليمن والتي تعد من أعلى المعدلات في العالم باعتراف وشهادة الثقاة من ذوي الاختصاص تشكل تحدياً قوياً أمام عجلة التنمية في البلاد، ورغم أن انعكاسات الانفجار السكاني أصبحت ملموسة وماثلة للجميع وتأثيراته السلبية على حياة السكان صحياً واقتصادياً وتعليمياً، وفي ظل التناقص المستمر والمضطرد في الموارد الاقتصادية وأهمها المياه التي تعد عصب الحياة - رغم إدراك الجميع لذلك ولخطورة الانعكاسات على حياة المجتمع في الحاضر والمستقبل - لا تزال بعض الجهات المعنية والمحسوبة على العمل السكاني للأسف الشديد تنظر إلى المشكلة السكانية بأنها مشكلة في بلاد واق الواق وليست في اليمن وتصنفها في أواخر جداول مهامها ولا تتعامل مع قضايا السكان إلا من باب إسقاط الواجب ليس إلا.. مع أنها عضو في المجلس الوطني للسكان ومن الشركاء الفاعلين في قضايا السكان..
ضعف التنسيق بين الجهات
وإجمالاً يمكن القول بأن الجهود المبذولة في مواجهة والتصدي للمشاكل السكانية تسير ببطئ ولا تلبي الطموح بغض النظر عما حققته الجهود التوعوية السكانية من إيجابيات في هذا الجانب، والسبب يعود إلى ضعف التنسيق بين الجهات الأعضاء في إطار تكتل المجلس الوطني للسكان وتشتت العمل السكاني والركون على أن جهة واحدة معنية بالسكان أو غيرها قادرة على مواجهة المشاكل السكانية بمفردها وأن الحل السحري للمشاكل السكانية سيتم عبرها مع أن التحالف السكاني الذي يضم إلى جانب الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان وزارات الصحة، والتربية والتعليم، والشباب والرياضة، والأوقاف و.. الخ) يشكل منظومة كبيرة وتكتلاً ضخم قادراً لو توفرت لدى أعضائه النية الصادقة والشعور بالمسؤولية وبإدراك خطورة القادم إلى جانب الدعم الكبير من قبل الجهات المانحة - على حلحلة جميع مشاكل البلاد وليس المشكلة السكانية فقط.. ونحن على يقين بأن أربع سنوات من العمل السكاني الجماعي كفيل بتشخيص ومحاصرة المشاكل السكانية وبتحقيق أهداف السياسة السكانية والوصول بالعمل السكاني إلى أرقى مستوياته بما يحقق الأهداف المرجوة ويخدم التنمية والبلاد والعباد.
دور وزارة الصحة والسكان
تعتبر وزارة الصحة مرتكزاً أساسياً فيما يتعلق بالسكان وصحتهم لأنها معنية في المقام الأول بتقديم الخدمات الصحية والعلاجية وتوفير خدمات الصحة الإنجابية، وفي ظل العجز القائم الذي يعانيه قطاع الصحة في توفير الأطباء والمستشفيات والأسرة والخدمات العلاجية بما يتواءم مع حجم الزيادة السكانية.
نلاحظ أن الوزارة تقوم إلى جانب مهامها في الجانب الصحي والدوائي والفني والكادر الطبي بالإشراف والرقابة على الوضع الصحي والطبي وتمارس عملية التوعية الصحية وتتبنى عملية توفير خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى القيام بالفعاليات والأعمال التوعوية المتعلقة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة.
ورغم إدراكنا وتفهمنا لعلاقة وارتباط وتلازم الصحة بالسكان وضرورة أن يرتبط هذا بذاك ويتلازم هذا مع ذاك إلا أننا على ثقةمن أن تحمل وزارة الصحة مهام أكبر من طاقتها ينعكس سلباً على أدائها وعلى الهدف الأساسي الذي وجدت من أجله.
فلو نظرنا إلى الوضع الصحي الحالي وقارناه بما كان عليه في السابق خلال السنوات الماضية منذ التسعينيات وحتى الآن لوجدنا أن الوضع الصحي يسير إلى الوراء رغم ما تحقق في مجال الصحة وتوسع في المرافق الصحية وتقديم الخدمات الصحية وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار الصحي الأهلي.
فالمستشفيات الحكومية أضحت في أسوأ حالاتها ولا تجد ما تقدمه من أبسط الخدمات الصحية والدوائية والنفسية للسكان من المرضى.
علاوة على ما يتعرض له السكان في الجانب الصحي في العيادات والمستشفيات الخاصة المنتشرة وبكثافة كبيرة بالإضافة إلى انتشار الأدوية المهربة والمقلدة.. فهل تمتلك وزارة الصحة والسكان خاتم سليمان لتتمكن من القيام بكافة أعمالها بأكمل وجه ومراقبة هذا الكم الهائل من المستشفيات والعيادات والصيدليات وغيرها!! إلى جانب الأعمال والمهام المذكورة آنفاً؟
فسوء الوضع الصحي وتردي خدماته وبخاصة في المستشفيات الحكومية يعد مشكلة سكانية بحد ذاته في ظل الزيادة والانفجار السكاني الهائل الأمر الذي يدعو الوزارة إلى أن تركز جهودها في هذا الجانب بالتحديد من باب أولى وأن تستعين بمن تراه لتنفيذ بعض المهام والأعمال التي تقوم بها الوزارة إلى جانب مهامها الرئيسية والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة فيما يتعلق بالعمل التوعوي السكاني لما من شأنه توحيد وتوجيه العمل التوعوي وفقاً لأهداف السياسة السكانية وتخفيف المزيد من الضغوط والمهام والأعباء الملقاة على عاتق وزارة الصحة والتي تعيقها من ممارسة مهامها الأساسية في الجانب الصحي.
الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة
ولإيضاح الصورة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والتوعية السكانية المتعلقة بهذا الجانب فإن الوزارة قد قامت على أكمل وجه بتوفير وسائل تنظيم الأسرة في كافة مراكز تقديم خدمات الصحة الإنجابية إلى جانب ما تقوم به جهة أخرى.. إلا أن ضعف التنسيق بين الوزارة والجهات التي لها علاقة بالسكان والتوعية السكانية قد ساهم وأثر بشكل أو بآخر في عدم تحقيق ما هو مطلوب في هذا الجانب، فالفجوة القائمة بين تقديم خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وبين العمليات التوعوية لا تزال كبيرة نتيجة لضعف التنسيق.. ونتيجة لذلك لا يزال الإقبال على وسائل تنظيم الأسرة الحديثة قليل جداً ولا يلبي الطموح باعتبار أن عدم توحيد وتوجيه الخطاب التوعوي للسكان وفقاً لمخطط معلوم ومدروس لا يحقق المطلوب.. فلم تتمكن وزارة الصحة حتى الآن عبر مراكزها التي تقدم خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة من إيصال خدمات تقديم المشورة في مراكز تقديم الخدمات للنساء ممن يطلبن وسائل تنظيم الأسرة، فالقابلات في المراكز غير قادرات على التصدي للشائعات التي تروج في أوساط النساء بوجود أضرار صحية نتيجة استخدام وسائل تنظيم الأسرة.. فضعف القابلات في تقديم المشورة وعجز وزارة الصحة عن تأهيلهن في إيضاح المشورة الصحية بعدم وجود أضرار صحية نتيجة استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وكذلك غياب وسائل العرض المرئي التوعوي في استراحات مراكز تقديم الخدمات أو البروشورات التوعوية، وتشتت العمل التوعوي الذي تنفذه هذه الجهة وتلك هنا وهناك.. يعد عاملاً أساسياً يعيق الإقبال على وسائل تنظيم الأسرة المدخل الرئيسي لمواجهة الانفجار السكاني.