أيهما أخطر الحيرة أم اليأس ؟
لاينكر عاقل خطورة الحيرة , فالحيرة من الاستغراب والدهشة غالبا ما تؤدي الى التهلكة , بما تخلقه من حالة اضطراب وتردد , ومن المشاء بلا هدف أو غاية .
العالم يجري , بلا رحمة أو شفقة , وهذا موقف عاطفي , متداخل مع الحاجة الإنسانية , فلكل قطار سكته التي يمضي عليها وهو حق للجميع , ولايمكن لأي كان أن يصادر حق الضاحك في ضحكته , ولاحق النشوان في نشوته , ولاحق الفرح في عربدته , حتى لوكان ذلك , على منوال المثل الشعبي : ( عرب أين , طنبورة أين ) , ولكن الحيرة الفردية أو العامة مصدر شرور كبيرة , بل ضياع لطاقة عظيمة , يمكن الاستفادة منها , بل وتوظيفها في الخلق والإبداع , وأقلها في سد الفراغ الكبير .
أما اليأس , فحدث عن الهلاك ولاحرج , وعلى ما يبدو فان اليأس على مقربة كبيرة من الموت الزؤام , فإذا كانت الحيرة تعني فيما تعنيه , الدوران في حلقة مفرغة , بل ورتابة تليها رتابة , كمن يصحو ولا يدري لماذا يصحوا , وينام ولا يشعر بمعنى أو يحتاج لأن ينام , ويفقد الرغبة , ويفتقد المعنى , ويتعايش مع حياة اللامعنى , ولم نلامس بعد حدود اليأس , لأنها فاقدة لكل كهرباء الحس , والحدس والشعور .
اليأس , من عوامل الحياة في عصر العولمة لمن ذاق طعم الكهرباء , وبات يقضي الأيام والليالي بدون كهرباء و بدون ماء , وتراءت نصب عينيه خيالات العصر القديم , عصر الحياة , من قبل أن تنشأ الحياة , فهاهو يعاصر الأشباح , والسحر بدون أدوات قديمة ولا حديثة , وفي خدعة زائفة , من ألفها الى يائها .
الحيرة أقل عدمية من اليأس , فليست الحيرة سوى بدائية صحراوية و يمكن القياس عليها وتمثيلها بتوقف الزمن , وامكان عودة الحياة الى الوراء .
السماء في ليل الحيرة تنير بلا قصد , عن طريق قمرها , ونجومها طريق الحائر ببقايا وعيه , ومن هنا يظهر الكون الاهيا بجدارة تامة ليفائل أو ينير درب الحائرين , في تقاطعات متشابكة هي مصدر حيرة الحائرين , ولكن الأمل الممنوح هاهنا , هو أمل أخروي وليس دنيوي , لأنه من النوع , ماذا سيفيدك التأمل والحيرة و بل النظر الى كنه أشياء و ومهما كان متطاولا و فالنظر سيعود إليك , كاسفا و وحسيرا و وممتلئا بالحيرة وبأكثر مما بدأ أول مرة , ومن هنا سيقسط في لجة الأسى كل من يستنجد رحمة من السماء .
كتاب السماء , المفتوح على الأزل والأبدية , هو متاهة للحائرين , وله ستنحني رقاب أهل العلم , للفوز بلحظة إشعاع , وهو مقصد التائه , بلا حدود , من هنا الى ما ينته من سلسلة الجدود .
انه اليأس الفظيع , فما هو شكله ولونه ؟!
مجرد لفحة منه , وجدت نفسي ميتا , وأذكر أنه رغم التعولم الكاذب , والعلمانية العميقة , والتركيبية المدهشة , فقد قررت أنني أنا الشهيد , فقد شهدت على موتي بأنني , أنا الطيف العابر باسم الله , وأنه هو الكون الأكيد , وأنا الشك العابر , وشتان ما بين القطرة والمطر و وما بين الرملة والصحراء ..!!
لست غبيا بما فيه الكفاية , حتى رغم حالتي الطوارئية , فلقد اكتشفت من العولمة المقيتة في عصر السحابة السوداء ورصاص احتراق مكائن الاحتراق الداخلي , بأن سمية قاتلة لي تحدث قبل موت الأشجار .
تقانة موت الحياة , لن يسعدنا فيها من اللحظات غير صمت الكهرباء , وضياء الكون وصوته الصامت في كذبة رهيبة , بل وفي حالة استهزاء و غطى عليها , التصور الطفو لي و وهو المعادل الموضوعي في البحث عن حياة أفضل , وأن لم يكن لنا مباشرة , فعلى الأقل لأجيال من بعدنا ...!!
لست من الشطار والقافزين , ولا احلم بلعب مثل هذا الدور مطلقا , بل إنني ممن يفضلون حياة البرية و على ركب قطار حضارة الكترونية بلا إنسان , ولست ممن يرى الآلة بديلا عن المتخلف عن فهمهما بلا حدود , وكأن
المطلوب هو لعن الجدود و من عهد عاد الى زمن ثمود .
من تجربتي الشخصية اليائسة الى حد بعيد اكتشفت موت اليأس العميق , وكم تهربت من حالة الموت قبل الأوان و وهو من نوع العبارة الشعبية ك لاتمت قبل أن يأتيك الموت , ووجدت فيها فضاءا للحرية , وفضاء للمتعة الزائدة عن اللزوم بل ولامست حدود الكذب بعهر فظيع .
وليس آخرها حين مت وعدت للحياة ثانية ؟!
كنت ساعتها وحيدا , وبعيدا جدا عن الحيرة بل في قلب اليأس , وعرفت فيما بعد , أنني في مت قبل الأوان , ورغم كونييتي , فقد وجدت نفسي لا أموت إلا أن يشاء الله , وكانت لحظة هزؤوا شديد للغاية تسموا على الحيرة واليأس , فالموت والحياة ليسا مجرد انفعال , أو قرار , أو حيرة من سؤال , بل ويأس من امكان الحصول على جواب , وهو مصدر الموت غير الأكيد ...!!
قبل أن أموت وأعود الى الحياة ثانية , كنت قد قررت أن أقابل عوامل القتل وجها لوجه , ولكن الموت رفض مقابلتي وجها لوجه , فهو يرفض نفث سمومه , ومواجهة هلعي بالهروب منه , وتسجيل إمكانية الخطأ الحادث , حين أهرب منه بنجاح , وهذا من نوع اللامعقول , وغير المقبول .
وجها لوجه و وبرغم نوبات الحيرة و لا يتحقق الموت الأكيد , فالسيارات المسرعة بشكل جنوني في شوارع مصممة بطريقة ( تخ - طيط ) تتطلب منا اكتشاف أسلوبا لمواجهة الخطر الداهم و وعدم الاغترار من جوائز الدولة التشجيعية , وللضرورة أحكام .
أمام التكنولوجيا , سأبتلع المزيد من سموم غاز ثاني أكسيد الكربون , ولذلك من المفيد بالنسبة لي , هو إدارة الظهر , لتلك المكائن المرتعدة , وحدث ذلك ذات ليلة 5-2-2005 حين وجدت نفسي , وعلى الضد من اتجاة السيارات , أحلق غائبا , بل ميتا , من قبل أن أحيا , ولم أجد من القاتل , ولامن الجوار القاتل , غير الموت الذي يفوق الموت الرحيم ,ولكن ما يفوق الجميع , هو وحده من يقرر الموت المبكر والمتأخر , ولا قيمة للسلطان أو الحاكم , ولكن سؤالي مابين الحائر واليائس , هل يوجد حياة أو موت ؟ سيظل فعلا بلا جواب ,
كيف مت وعدت الى الحياة ثانية ؟
أذكر بكل أمانة علمية , أن الموت كان محطة استراحة حقيقية و لكن العودة للحياة مصدر الم فظيع للغاية , والموت راحة أبدية , بينما الألم وكل ألطلق هو الحياة لمجرد الحياة , ولسبب بسيط , كيف تمضي الحياة بين الحيرة واليأس ..؟!